Wednesday, October 10, 2012

الله: رؤية بعين العقل -1

تعريف الاله ، ماهيته و طبيعته. أمر قـّـلـما يخوض فيه المؤمن لأن أي محاولة لشرح طبيعة الاله ستصطدم بجبل من التناقضات لا قدرة له على تحمـّل تبعاتها ناهيك عن الخوض فيها. فهي أشبه بحقل ألغام ما يكاد يضع قدمه فيه حتى ينفجر بوجهه ناثراً أفكار الهه الوهمي أدراج الرياح.

من المهم جداً و قبل أن يمطرنا المؤمن بأدلـّة مزعومة عن وجود الاله  أن نلزمه بوضع تعريف واضح و مفهوم لفكرة هذا الاله . كيف يمكن أن يقنعني بوجود "شيء"ما  قبل أن يشرح ماهية "الشيء" الذي يتحدّث عنه ؟ فما معنى  القول أن وجود الارض و الكون و الحياة و أنا و أنت دليل على وجود "الله" ما لم تشرح لي ماذا تقصد بفكرة "الله" هذه ؟!

تختلف أفكار المؤمنين عن الههم بأختلاف ثقافاتهم و أديانهم  لكن يمكن القول أن أبسط و أشد المصطلحات أختصاراً لوصف "الشيء" الذي يدعوه المؤمن "الهاً" هو : كائن فوق الطبيعة\لا تحدّه الطبيعة\خارق للطبيعة.  مصطلح بسيط و يتـّفق معه من يؤمن بأله سواء كان أبراهيمي الديانة (مسلم \مسيحي\يهودي) أو غيرها من الديانات الشرقية و الغربية على حد سواء.

تجدر الأشارة هنا  أن المقصود  بمصطلح "فوق\وراء\خارق للطبيعة" ليس أن الله يجلس في "مكان ما" خارج العالم أو الكون أو الوجود ، بل هو تعبير عن عدم تقيـّد الاله  بالقوانين الطبيعية ، فهو واضعها و مصدرها و يملك قدرة التدخـّل و تغييرها أنـّى شاء.

استثناء الاله من الطبيعة و أحكامها ذي تبعات مهمة. فهو يجعل الله فكرة فوق الأدراك أو عصيّة عليه ، إذ لا يمكن فهم أو ادراك فكرة فوق الطبيعة أو خارقة للطبيعة و كل معرفة عن الاله لا بد أن تكون غير مكتملة و لن تحيط بطبيعة الله بصورة تامة. و هو أمر يتـّفق مع فكرة المؤمن عن هذا الاله الذي يختبئ أبداً خلف الستار.

الوجود "الخارق للطبيعة" أو "فوق الطبيعي" خارج مدى الادراك البشري. فلو كان الله كائن "طبيعي" لأمكننا تفسير أفعاله و جوهره على أساس القوانين الطبيعية ، إن لم يكن اليوم فغداً ، و لأمكننا فهمه و ادراكه ، أيضاً إن لم يكن اليوم فغداً. لكن ما أن نفعل هذا ، أي ما أن نفهم طبيعة الله فلن يعود الله "فوق الطبيعة" و عصيـّاً على الفهم

بعبارة أخرى: الله عصيّ على فهم و ادراك الأنسان حسب تعريف فكرة الله نفسها (موجود فوق الطبيعة)

أول تحدي يواجه المؤمن مع هذا المصطلح البسيط ظاهرياً هو انه مصطلح لا يخبرنا شيئاً البتة عن الله. جُلّ ما يخبرنا أن الله فوق الطبيعة و قوانينها. لكنه لا يخبرنا أي شيء عن الله نفسه. و لم يقّربنا قيد أنملة الى فهم هذه الفكرة

المشكلة الثانية هي عبارة " فوق الطبيعة". فما المقصود بكائن لا تحدّه الطبيعة و لا تسري عليه قوانين الوجود ؟ و كيف يمكن ادراك موجود لا تنطبق عليه صفات الوجود ؟

أن يوجد الشيء يعني أن يكون شيئاً محدّداً. كل شيء في الوجود يمتلك صفات و خواص محدّدة. صفات الشيء تحدّد كينونته نفسها و تعرّف هويته (الفردية أو على مستوى نوعه). و إن شئنا أن نفلسف هذه البديهية نقول: أن يكون الشيء هو أن يكون هو نفسه لا غيره (أي أن س هي س و ليست ص). خواص الشيء تحدّد ما يقدر و ما لا يقدر على فعله. ففكرة "الشجرة" تحمل معها صفات تحدد طبيعة و هوية الشجرة. بدون هذا التحديد لا يعود لكلمة "شجرة" أي معنى و تصبح مجرّد تجميع عشوائي للحروف تماماً مثل كلمة "بلكق"

صفات الشيء تخبرنا ميّزاته ، عيوبه ، نواقصه ، ما يقدر و يعجز عن فعله. صفات الشيء تحدّد كينونته و هذا أمر أساسي في بناء الوجود.

الصفات ، و بقدر ما تحددّ ماهيّة الشيء  فهي تحدّد ما هو ليس عليه أيضاً..فعندما نقول أن "لون اللوح أبيض" فنحن حدّدنا أنه أبيض اللون و في نفس الوقت ليس أسوداً أو أحمراً أو أي لون آخر. و فكرة "الانسان" تحمل معها تحديداتٍ عدّة : (لا يقدر أن يطير ، لا يملك ذيلاً ، لا يقدر أن يتنفّس تحت الماء ، و هكذا دواليك)..الصفات و الخواص ترسم هوية "الشيء" و تضع له حدوداً واضحة. هذا هو جوهر الوجود الطبيعي. الوجود الذي يريد المؤمن أن يجعله الهه "فوقه" أو "خارجه"..الوجود الوحيد الذي نعرف و الذي يمكن أن نعرف لأن ادراكنا لوجود الشيء يستلزم امتلاك الشيء لصفات و خواص محدّدة.

لا مفرّ من أن يكون الاله مستثنى من شرط الصفات التي "تحدّد" هويته. فأي إسباغ لصفة ما على الاله يعني "الهبوط به" الى الوجود الطبيعي..وجودنا الذي نعرف و ندرك و هذا التحديد يكفي لنزع صفة الألوهية. الخيار الوحيد المتبقي هو تصوّر "شيء" بدون هوية محدّدة ، شيء بدون خواص أو صفات..شيء أطلق عليه المؤمن "اله".

 لكن "شيء" مثل هذا يخالف مبدأ الوجود الذي يستلزم امتلاك "الشيء" لصفات و خواص و هوية واضحة و محدّدة.

المصطلح البسيط الذي بدأنا معه إذاً يقود الى تناقض أساسي و جوهري في فكرة الاله المزعوم ذاتها.. فلكي يكون "الشيء" موجوداً لا بد أن يكون موجود محدّد، ذي صفات و ميزات و خواص تشكّـل هويته و كينونته . و بنزع كل هذه عن الاله لا يعود موجوداً ، أما إسباغها عليه فيعني تحديده بصفات و خواص و هو غير محدود أساساً حسب فكرة الاله نفسها!

كيف يردّ المؤمن على هذا ؟ سيقول: " ألم أقل لك أن الله عصيّ على الفهم ؟ كل السفسطة الآنفة لم تثبت سوى هذه الحقيقة البسيطة"..أي أن المؤمن و على فرض اقتناعه بما أسلف فأنه لن يجد تناقضاً داخلياً في فكرة "وجود كائن فوق الطبيعة" بل دليلاً جديداً على غموض الاله و عظمته

و للحديث بقيـّة..

1 comment:

Anonymous said...

ممتاز