Monday, February 08, 2010

لا حول ولا قوة الا بالله

-->
من المعتاد أن يبدأ المرء بالبسملة والصلاة على نبيه، ولكن آثرت أن أبدأ بالحولقة بعد ردح من الزمن قضيته بين العرب العاربة والمستعربة، ساكناً بينهم، آكلاً شارباً معهم ، مستمعاً لهم ومتحدثاً اليهم. محباً لهم وكارهاً لعنجهيتهم وثقافتهم وأستعلائهم وغيهم وبغيهم.

وبعد رحلة تجاوزت الأربعين عاماً قضيتها بالسفر والأختلاط مع مختلف الأجناس والأعراق، عرب وكرد وتركمان، بريطان وأمريكان، أفارقة زنوج وخلاسيين. هنود و باتان وفليبينو و بنغال وغيرهم العديد من الملل والنحل أستطيع القول بأني لم أجد ثقافة أشد خسة ودونية و أستعلاءاً على الاخرين من ثقافة العرب. وأستطيع القول كذلك بأني لم أجد تفسيراً لجنون العظمة هذا الذي يجعل من البالغ طفلاً يتصور أن العالم كله يدور في فلكه.
ثقافة أستعلائية مغرورة من المحيط الى الخليج، ثقافة التنابلة المدللين الجالسين على أنقاض حضارات فرعونية و بابلية وغيرها ليست عربية أصلاً ورغم هذا لا يخجلون من نسبها لهم، و ياليتهم نسبوها وبنوا عليها حاضراً ينفعهم وأجيالهم القادمة، بل تراهم قاعدين خانعين مشغولين بالتحدث عن ماء الوضوء وبول الرسول و مص حلمة زميلة العمل وغيرها من تفاهات يبصقها عليهم أئمة وشيوخ، قردة وخنازير!

أنظر صوب مصر، مصر الكنانة و الحضارة، و اشاهد الجماهير الثائرة الهادرة التي تخرج ليس غضباً لأن مبارك وزبانيته يبيعون الغاز لأسرائيل بأسعار مخفضة، ولا أحتجاجاً على الجدار الذي يقتلون به غزة. بل ناقمين على الجزائر بسبب مباراة كرة قدم! أحقيقة هذه أم خيال؟ أهذا هو الجيل الصاعد الذي سيبني البلاد ويحرر العباد ويحقق التضامن العربي؟ أقرأ عن الذل والهوان الذي يعانيه العربي عند وصوله مطار هذه الدولة "العربية"، ذل لا يوازيه سوى ما يتعرض له الفلسطيني عند حواجز جيش الأحتلال. تفتيش وتحقيق و لو كان يحمل جواز سفر عراقياً او وثيقة سفر فلسطينية، فالحجز والأستجواب مشروع. وبعد هذا وذاك يخرج "قومجية" المصاروة ليعطونا دروساً في العروبة والوحدة ودور "الشقيقة الكبرى"، هذه الشقيقة التي أصبحت عاهرة هذا الزمان ومطية لزبائنها الأسرائيليين والامريكان!

و ما أزال في مصر، مصر جنون العظمة وأحلام اليقظة و الجمهورية الملكية التي يورث الحكم فيها جهاراً نهاراً وعلى الملأ والعيان، والكل شاهد ماشافش حاجة! وبعد هذا كله يخرج "دهاقنة" السياسة المصرية و منظري "العروبة" ليتحفونا بدروس عن الديمقراطية !

وقبل أن اغادر أسأل: ماذا قدمتم لأنفسكم قبل أن تقدموا للعالم؟

ان كان الفراعنة أجدادكم فأنتم لستم عرباً وان كنتم عرباً فدعوا عنكم نعرة "الفرعنة" هذه، افيقوا وأنظروا الى بلدكم الخربة التي دمرتها حروب استنزاف عبثية انتهت بصلح مذل لا تستطيعون معه وضع فوج واحد من جيشكم في سيناء قبل الحصول على موافقة اسرائيلية! ان كنتم تغضبون لأمتهان المصريين في الخليج، وفروا لهم فرص العمل في بلادهم قبل الحديث عن سوء معاملتهم في الخارج، بلدكم يسرق "عيني عينك" وانت غافلون ولا اريد ان اقول "مغفلون". افيقوا يا مصريين وقبل ان تعيبوا غيركم عالجوا انفسكم. كفوا عن التفريق فيما بينكم، هذا قبطي وذاك مسلم و هذا يقتل ذاك. فأنتم مصريين وكفى.
ألا فبئس حضارتكم و"رقيكم" الفارغ وثقافتكم التافهة!

و تأخذني رحلتي الى السعودية، مملكة الرمال والاعراب الذين بقوا اعراباً حتى بعد سنوات النعمة النفطية. فالطباع السمحة لا تشترى، وفاقد الشيء لا يعطيه. خشونة في التعامل و اذلال دائم للشيوخ والنساء والرجال، وياويل القادم للحج، فعليه أن يأخذ رخصة لآداء الفريضة الربانية، وعليه أن يتحمل جفاء الموظف الذي يمنن على خلق الله بتوقيع وختم! والويل ثم الويل لمن يمر بالسعودية مروراً فهذا أيضاً يجب عليه الصبر والتحمل أمام ابواب "الجنة"، أي السفارة السعودية الى أن ينعمون عليه بمكرمة "الترانزيت"!

أذلوا الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً، وكيف لا! الم يكن الرسول سعودياً على رأي المغني محمد عبده؟! اوليست الكعبة ومكة في السعودية؟! اذاً فلنذلن امة لا اله الا الله حتى قيام الساعة ليعلموا بأن السعودية...سعودية!

أبقى في السعودية لأشاهد من قادته قدماه الى أرض الحجاز للعمل والترزق و أجد نظام الرق يتجلى في أرقى (أو اقبح) صوره، من يعمل في الرياض لا يستطيع الذهاب الى جدة الا بموافقة من الكفيل! من يريد شراء سيارة لا يستطيع ذلك الا بموافقة من الكفيل، من يريد استخراج رخصة قيادة يجب أن يحصل على موافقة مسبقة من الكفيل، وما أدراك..قد يلزم من يريد أن ينجب اولاداً بأن يحصل على موافقة الكفيل! الكفيل..الكفيل ثم الكفيل، واحد لا شريك له في السعودية , ولا يوجد غضاضة في ذلك لآن وعاظ السلاطين سيجدون حديثاً يمكن تأويله لأباحة بل أستباحة الأنسان لأخيه الانسان..وسلم لي على الاسلام.

وقبل أن اغادر أسأل: ماذا قدمتم لأنفسكم قبل أن تقدموا للعالم؟

ماهو انجازكم الذي تفاخرون به بين الامم؟ أسامة بن لادن ام الوهابية أم التطرف الذي أكتويتم بناره التي أشعلتموها بأنفسكم؟ ما تزالون شعباً بدوياً قبلياً موغلاً في جاهلية فشل الاسلام نفسه في تخليصكم منها. النفط ينضب والبدواة تبقى، النفط ينضب و العنجهية والخشونة والأستعلاء الفارغ جميعها لا تنضب فهنيئاً لكم.

لا أطيق البقاء فأقرر الذهاب الى لؤلؤة الخليج و منارة الشرق الأوسط. دبي، أرض المال والاحلام والمستقبل البراق. حيث الثروة والمتعة والحياة الرغيدة لأشاهد بأم عيني حقيقة السراب و الوجه الحقيقي للثقافة التي تجعل من نظام الفصل العنصري السابق تاج على رؤوس اصحابه. جحافل من العمالة البشرية تعبش في ظروف غير بشرية. جموع قادمة تكد وتتعب ليعلو بنيان البلاد ولا تتقاضى سوى دريهمات معدودات لا يقيدها قانون "حد ادنى" للأجور. فمن حق صاحب العمل ان "يستغل" العامل، أليست هذه هي الحرية...حرية الأستغلال!

طبعاً الدخول الى أرض الأحلام مستحيل بدون تأشيرة مسبقة، ولكن أن كان المرء أبيضاً أزرق العيون زهري الوجنتين فليتفضل على الرحب والسعة، فالبريطان أهل البيت والأماراتيون الضيوف. وهذه الرابطة لا يمكن ان يفصل عراها ما تنشره الصحف البريطانية من قدح وذم في دبي و الأمارات، فالجواز البريطاني يوضع "على الراس" قبل العقال.

وقبل أن اغادر أسأل: ماذا قدمتم لأنفسكم قبل أن تقدموا للعالم؟

بنايات وشوارع وناطحات سحب و مراكز تسوق وجبال ثلج خطط لها بريطان وامريكان والمان وشيدها هنود وباتان؟ أهذه هي "حضارتكم"؟ ما يشترى بالمال تأكله الرمال يا عربان. أي رقي تنشدونه و مواطنيكم يحولون الشوارع الى حلبات سباق؟ أي سمو تتحدثون عنه و انتم ماتزالون تجهلون كيف تقفون بالطابور؟ البنيان يزول والهمجية والعته باقين فهنيئاً لكم بثقافتكم.

أقرر زيارة أرض الرافدين، مركز الخلافة وأشعاع العلم. بغداد شهرزاد وعراق البوابة الشرقية و ركيزة القومية العربية. أنظر حولي فلا أرى سوى سنة وشيعة، سلفيين ووهابيين، عرب وأكراد وتركمان ومسيحيين. قاعدة وصحوة وجيش مهدي وقوات بدر وحزب دعوة وأخوان مسلمين. رأيت كل هؤلاء ولكني لم أشاهد عراقياً واحداً! أسمع دوي القنابل وازيز الرصاص الذي يخترق أجساد المسيحيين في الموصل الحدباء. أقرأ عن تهجير الشيعة للشيعة في النجف، والسنة للسنة في الأنبار، والشيعة للسنة والسنة للشيعة في بغداد ولسان حال العراق يقول "اللهم احفظ العراق من العراقيين".

ورغم كل هذا الدمار والخراب يخرج علينا "ابو جاسم" بكل صلافة وأستغباء ليعطي العالم دروساً في السياسة والكياسة والرقي لأنه –كما يدعي- سليل حضارة عمرها اربعة آلاف عام! حضارة لو عمل بها العراقيين لما ظهر بينهم صدام حسين أصلاً!

وقبل أن اغادر أسأل: ماذا قدمتم لأنفسكم قبل أن تقدموا للعالم؟

خربتم بلدكم وبنيتم شواهد القبور في كل حي وشارع، اصبح عراقكم أكبر مصدر للمهجرين بعد أن كان مصدر نفط وتمور وعلم وثقافة. أهذه هي مساهمتكم في الارث البشري؟! هنيئاً لكم بهمجيتكم وثقافتكم واستعلائكم فلتعش معكم ابد الدهر حتى لا يبق الله في ارضكم حجراً على حجر.

عرجت على لبنان طمعاً في رؤية الجبل والبقاع و الأستمتاع بالهواء العليل والماء الزلال. مرح وفرح ومتعة الحياة فوجدت فوضى وتسيب و زبانية نصر الله والحريري و عصابات الموارنة تحكم البلاد. الدولة غائبة مغيبة لأن الكل يريد الكعكة لنفسه، شعب بلغ فيه الأنقسام الطائفي حداً مخجلاً ليجعل من الأنتماء المذهبي ضمن الطائفة نفسها شرطاً من شروط الوظيفة بل وحتى السكن!

مزايدات ووطنيات تباع وتشترى على شاشات التلفزة وفي عواصم الدول الأخرى وأتهامات تلقى هنا وهناك وتهديدات بالنزول الى الشوارع و خراب نفوس يسبق خراب البيوت.

وقبل أن اغادر أسأل: ماذا قدمتم لأنفسكم قبل أن تقدموا للعالم؟

ان كان "اكبر صحن حمص" و "اكبر قطعة كبة" يكفيان لدخولكم موسوعة "جينيس" فهل قدمتم ما يوازيهما على الصعيد الثقافي أو العلمي؟ هل تعتقدون بأن صبايا العري و التقليد الأعمى للتقاليع الشاذة أنجازات "حضارية"؟! أي حضارة "فينيقية" تنادون بها وانتم تقتلون بعضكم بعضاً منذ ما يزيد على أربعين عاماً؟ أي "رقي" تنشدونه بصحون الحمص وعرق العنب؟! بلدكم موجود على الخارطة فقط وما أنتم سوى شرذمة مغرورة بحضارة "فينيقية" لا تمتون لها بصلة و لو أستفدتم منها لكان حالكم غير الحال. العرق يزول والحمص يؤكل والغرور والتفاهة خالدين في ثقافتكم فهنيئاً لكم.

عرجت على الوطن المحتل لأشاهد بأم عيني ما يحصل بين الاخوة. دويلات داخل دويلة محتلة ومفككة الأوصال بعد الخلاف والقتال والدمار الذي ارسى قواعده الغباء العربي الفلسطيني الموروث في ثقافة عربية قائمة على "رفض الاخر" و نبذ "الحلول الوسط". أمارة اسلامية تفتك بأبنائها، وسلطة فلسطينية تبتز ابنائها وعدو ذكي يستغل الغباء الفلسطيني و يتوسع ويبني ويعمر.

أقتتال في الشوارع وحرب على شاشات الفضائيات و تصريح هنا وآخر هناك. شعب ابله يتحدث عن حكومة شرعية واخرى مقالة ولا يدرك ان كلاهما "كلام فاضي" في ظل البسطال الأسرائيلي الذي يدعس على شرفه وارضه.

وقبل أن اغادر أسأل: ماذا قدمتم لأنفسكم قبل أن تقدموا للعالم؟

سبعون عاماً من الحديث عن "القضية" و لم تتخذ خطوة واحدة لحلها! هل فكر أحدكم في وضع ستراتيجية وهدف ورؤية لصورة الحل كما فعل اليهود قبل 150 عاماً؟ هل فكرت قياداتكم في مصلحتكم قبل مصلحتها؟ هل وقفتم بوجه بلطجية حماس والدحلان؟ هل فكرتم قبل ان تجرحوا مشاعر 20 مليون عراقي بخروجكم في مظاهرات تأييد لجزار بغداد؟ هل فكرتم في الرأي العام العالمي عندما وزعتم الحلوى بمناسبة "تدمير مركز التجارة العالمي"؟ أليس قصر نظركم، شعباً وقيادة هو السبب الرئيسي في كل مشاكلكم؟ أليست ثقافتكم الفاشلة هي سبب هزيمتكم البارحة واليوم وغداً.

كرهت المنطقة بثقافاتها وأستعلاءها وغبائها وحماقتها وقررت الرحيل عنها...الذهاب الى بلاد حيث الأنسان هو قيمة بحد ذاته، حيث تختفي شعارات "بالروح بالدم.." و "كلنا فداء للقدس" و " الأسلام هو الحل" وغيرها من ثوابت هذه الثقافة العفنة.
رحلت ووصلت وولدت من جديد، بعيداً عن هكذا امة وهكذا ثقافة. وكلي أمل في غد أفضل في موطني الجديد وكلي ثقة بأن امة العرب خاسرة مازالت ثقافتهم خاسرة.