Sunday, November 18, 2012

الله: رؤية بعين العقل 4



للخلاص من اشكالية الصفات "المطلقة" المتناقضة مع نفسها و التي تضيف المزيد من الغموض الى فكرة الاله الغامضة أساساً ، للخلاص من هذه الاشكالية يلجأ المؤمن الى بعض الصفات "الحقيقية" (أو المفهومة) علـّها تنقذ فكرة الاله

المحبة ، الرحمة ، المعرفة ، الحكمة ، الارادة ، العدل ، و غيرها العديد من الصفات التي يمكن للعاقل ادراك معناها و كنهها و دلالتها ، صفات تشكّـل غالبية أسماء الاله الأسلامي الحسنى و الآب المسيحي و يتـّفق المؤمنون على أن الههم المعجز يمتاز بها.

لكن هذه  الصفات تفشل في إضفاء ما من شأنه أن يجعل الاله المزعوم فكرة أقرب الى الذهن و الأدراك و هاكم الأسباب:

أولاً: جميع هذه الصفات ثانوية تشرح "شخصية" الاله إن صحّ التعبير و ليس ماهيـّته.  "الله غفور رحيم" أو "الله محبة" لا تفسّر ماهيّة هذا "الشيء" الرحيم و المحب. قبل أن يُلبس المؤمن فكرة الاله صفة تحدّد شخصيته عليه شرح طبيعة الموصوف و هذا أمر تعجز الصفات المذكورة عنه.

ثانياً: ادراك هذه الصفات قائم على اساس قياسها على الطبيعة البشرية لكنها تفقد معانيها ما أن نسبغها على موصوف "غير محدود" حسبما يدّعي المؤمن.

حين يدّعي المؤمن أن الله حيّ فهل يقصد أنه حيّ مثل كل شيء حيّ ؟ إن كان الجواب بالأيجاب فهذا يعني أن الله كائن مادي يحيا و يموت في نهاية المطاف. حين يقول المؤمن أن الله حكيم  فهل يتحدّث عن صفة الحكمة بمفهومها البشري؟  إن كان الجواب بالأيجاب فهذا لا يعصم الاله من الوقوع في الخطأ شأنه شأن أي انسان حكيم عالم يمكن رغم حكمته و علمه أن يخطئ، و هلّم جرّا بالنسبة لباقي الصفات

إن حاول المؤمن أن يسبغ صفات حقيقية على فكرة الاله مع الحفاظ على مفهومها البشري  فأنه يسخط الهه الى نوع من الحياة المادّية (ربما نوع جبار قريب من السوبرمان). و لتلافي هذا يدّعي أن معنى الصفات حين يسبغها على الاله يختلف عن معناها حين نصف بها البشر. و هنا يقع في مأزق جديد...فما معنى أن يكون الله حيّ إن كان معنى الحيّ الذي ندركه و نفهمه لا ينطبق على الله ؟ ما معنى القول أن الله حكيم إن كان معنى الحكمة كما نفهمه لا ينطبق على الاله ؟

يردّ المؤمن قائلاً: "القياس"!..ألا نصف الكلب بالوفاء و الثعلب بالدهاء ؟ فنحنُ هنا لا نتحدّث عن وفاء و دهاء بشريين. بل نقيس على أساس مفهومنا للصفة بمعناها البشري . وفاء الكلب يتـّفق مع طبيعته و كذلك الحال بالنسبة لدهاء الثعلب. فماالمانع أن تكون صفة الحياة متـّفقة مع طبيعة الاله و هي بالتأكيد تختلف عن طبيعة البشر مثلما تختلف طبيعة البشر عن طبيعة الكلاب و الثعالب ؟

بردّه هذا يعود المؤمن من جديد الى المربّع الأول الذي يحاول اجتيازه أساساً. فبخلاف الاله المزعوم، نحن ندرك طبيعة الكلب و الثعلب و حين نطلق عليهما صفات بشرية نعلم أن مفهوم الصفة ليس مطابقاً تماماً لمعناه البشري، و لا يعدو كونه يحمل سمات مشابهة تتناسب و طبيعة هذين الحيوانين ، و هي طبيعة ندركها.

أما حين يتعلـّق الأمر بالاله ، فالمؤمن لم يخبرنا حتى الساعة ماهية الاله و طبيعته التي تتناسب معها صفة الحيّ أو الحكيم أو العليم و غيرها. كيف يحكم المؤمن أن الصفات التي يسبغها على فكرة الاله تتناسب و طبيعته قبل أن يشرح طبيعته ؟!

إذا جمعتُ بضعة أحرف (و لتكن: باوطز) و ادّعيتُ أن (باوطز) حكيم، و أن حكمته لا تشبه مفهومنا حين نصف بها البشر بل يتناسب مع طبيعة الـ(باوطز) فماذا سيكون ردّ المؤمن نفسه على هذا الكلام ؟ ألن يسأل: "ما هو الباوطز ؟ ما طبيعته التي بنيت عليها ادّعاءك ؟"...لنضع الان (الله) محل (باوطز) و نعيد سؤال المؤمن إليه و نسمع ردّه إن كان له ردّ

حين يدّعي المؤمن أن "الله غفور رحيم" فهو في الحقيقة يقول : أن كائناً غير مفهوم يمتلك صفة غير مفهومة تتناسب و طبيعته الغير مفهومة ".

ماذا بقى من فكرة الله ؟ماذا يمكن للمؤمن أن يقول ليشرح ما يقصده حين يقول "الله" ؟!
الله فكرة عصية على الادراك حسبما يدّعي المؤمن..فيكف يدركها كلاً أو جزءاً ؟؟
الله فكرة عصية على الفهم حسبما يدّعي المؤمن..فكيف يفهمها كلاً أو جزءاً؟
الله فكرة ضبابة هلامية بدون معالم..الله فكرة أشبه بالرمال المتحركة التي يغرق المؤمن في تناقضاتها كلّما فتح فاه محاولاً شرحها

الله كلمة بدون معنى..و لأضفاء عقلانية على ما هو غير معقول يحارب المؤمن عقله ويحاول شرح الفكرة بألباسها صفات ليست بصفات لينتهي بتناقضات داخلية تنسف الفكرة من الأساس و إذا به يعود ليعترف أن الفكرة غير قابلة للشرح و الفهم و الأدراك !  فكأنـّي به يدور في حلقة مفرغة مكابرة و خيلاءً و هو لا يكابر إلا على حساب عقلانيته أولاً و آخراً

أفضل ما يمكن للمؤمن أن يفعله هو أن يلوذ بالصمت بدل الحديث عن الاله المزعوم. يزّم شفتيه و لا ينطق حرفاً. فما عساه يشرح و الفكرة لا يمكن شرحها كما يعترف هو نفسه ؟ كيف يفسـّر فكرة عصية على التفسير كما يدّعي هو نفسه ؟ ما زال لا يعلم هو نفسه عن الهه أكثر ممّا نعلم نحن فهو حتماً أعجز من أن يحدّثنا بما لا يعلم.

--------------------------------------------
سلسلة المقالات الأربع تلخيص بتصرّف لبضعة أفكار وردت في كتاب The Case Against god للكاتب الأمريكي George Smith

No comments: